المهاجل والاغاني الشعبية في منطقة الاحكوم

  •                                 أغاني الريف في منطقة الاحكوم
  • أغاني الريف اليمني لوحات شعرية تعبر عن حنين وأشجان الشباب وتحكي هموم ومعاناة الكبار من الذكور والإناث
  • يستعرضها: عبد الحافظ حمود الحكيمي
  • الريف اليمني يختزن أنواع متعددة من الموروثات والمكونات الثقافية التي تعبر عن طبيعة الحياة اليومية للسكان وتحكي هموم ومعاناة الفئات الاجتماعية المختلفة ولا توجد منطقة في اليمن إلا وفيها الكثير من ألوان التراث الشعبي المتوارث عبر الأجيال والمتمثل بالأغاني والمهاجل أو المهايد والزوامل كما يسميها سكان بعض المناطق والعادات والتقاليد لكن المؤسف أن هذا التراث الغني بتنوعه لم يلقى حتى الآن الاهتمام المطلوب من قبل الجهات المختصة التي تحتم عليها مسئولياتها القيام بجمع هذا التراث وتدوينه توثيقه قبل أن يندثر وقبل أن يغيب عن دنيانا من تبقى من كبار السن القادرين على تذكر بعض مكونات هذا التراث لو تم الجلوس معهم وتسجيل ما تختزله ذاكرتهم لأن جيل الثورة للأسف لا يعرف أي شيء عن تراث أجداده.
  • الانقطاع الذي حصل بين الجيل القديم وجيل الثورة نتيجة للتطورات التي حدثت و التحول الذي طرأ في مختلف جوانب الحياة بفضل الثورة أوجد فجوة كبيرة في عملية انتقال وتوارث التراث والخبرات المكتسبة من جيل إلى جيل كما كان يحصل في الماضي لأن جيل الثورة وجد نفسه فجأة في قلب الحدث فترك الريف وأنخرط إما في الدفاع عن الثورة أو في ممارسة نشاطات اقتصادية لم تكن ممكنة قبل الثورة أو في الالتحاق بالمؤسسات التعليمية لتعويض ما فاته من العلم والمعرفة ولأن مؤسسات التعليم لم تكن قد توفرت بعد في معظم المناطق الريفية فقد أضطر الكثير من شباب الريف لترك قراهم والهجرة إلى المدن طلبا للعلم  وبالتالي تقلص ارتباطهم بالريف وبعد حصولهم على الشهادات الدراسة التي تمكنهم من السفر للخارج للالتحاق بالجامعات أو توفر لهم فرصة عمل تمكنهم من بناء مستقبلهم وتحمل المسئولية الأسرية التي اقتضت سنة الحياة تأسيسها ، هذا لا ينفي وجود بعض الجهود الفردية التي يحاول البعض من خلالها جمع وتوثيق ما يصلهم من التراث الشعبي مثل الأخت الدكتورة/ أروى عبده عثمان التي تقوم بجهود غير عادية لجمع وتدوين ما تتمكن من جمعة من مكونات التراث فعملت على تأسيس بيت التراث الشعبي في مدينة صنعاء القديمة الذي تحاول إظهاره بالشكل اللائق ولم يثنيها عن تحقيق حلمها عدم تعاون الجهات المعنية ولم يصيبها الإحباط لعدم قدرتها على توفير خزائن ودواليب للوثائق الموجودة في بيت التراث والتي أتلفت المياه المتسربة إلى داخل المخزن أجزاء من صفحاتها – كما ذكرت بعض الصحف – بل واصلت مشوارها وعملت بكل حماس من أجل حماية تلك الكنوز ونتساءل هنا ما هو دور وزارة الثقافة يا ترى إذا إن لم يكن الحفاظ على التراث الثقافي وليس بوسعنا سوى الدعاء للأخت الدكتورة/ أروى عبده عثمان بأن تكلل جهودها بالتوفيق والنجاح وهذا أضعف الإيمان.
  • بالرغم من انشغالي بمهام عملي لكسب لقمة العيش وعدم وجود متسع من الوقت لدي للقيام بأشياء أخرى مثل الإهتمام بالتراث لكني وبعد أن ثبت لدي بما يدع مجالا للشك أن هذا التراث في طريقه إلى الزوال إذا لم نعمل على تدون مفرداته في كل منطقة على حده سواء من خلال مخزون الذاكرة أو من خلال الجلوس مع عدد من كبار السن ذكورا وإناثا وشحذ ذاكرتهم لسرد ما يحفظونه من ألوان التراث فهذا العمل يتطلب أن يكون مدون التراث من المنطقة نفسها ولديه إلمام كافي بالكثير من مفرداته حتى يتمكن من تنشيط ذاكرة المستهدفين بالقول مثلا هل تذكر يا فلان أو فلانه المهاجل التي كانت تردد أيام الصيف وأيام الشتاء – أيام الخير وأيام الخريف كما يقول سكان الريف عندنا – أو ما هي المهاجل التي كانت تردد أيام الذري وعند الفقح وأيام النقوة – العزيق – وأثناء الجلب وأيام الجهيش وأيام الصراب وهكذا لأن لكل فترة مهاجل محددة تختلف كلماتها ولحنها عن المهاجل في الفترة الأخرى بل هناك مهاجل خاصة بفترة الصباح وأخرى بفترة قبل الظهر وغيرها لفترة ما بعد الظهر وهذا ينطبق أيضا على الأغاني فهناك أغاني الخير وأغاني الخريف وأغاني الصباح وأغاني بعد الظهر التي تختلف كليا من حيث اللحن ومن حيث الكلمات.
  • التراث الذي سأحاول استعراضه من خلال الحلقات الأسبوعية التي تقوم صحيفة إيلاف الغراء بنشرها يعبر عن البيئة لمنطقة الحجرية رغم علمي أن هناك بعض الاختلافات الطفيفة من منطقة لأخرى في بعض المفردات لكن الإطار العام لهذا التراث واحد في جميع مناطق الحجرية ، قبل الدخول في موضوعنا لهذا اليوم والمتعلق بالأغاني الشعبية التي كانت تردد – أقول كانت لأنها فعلا لم تعد موجودة – في منطقة الأحكوم أود هنا أن أحكي لكم تجربة عشتها أنا بنفسي أكدت لي أن الكثير من التراث لم يعد له وجود في الريف ، قبل أسبوعين قمت بزيارة للقرية وقضيت فيها أسبوعا كاملا لأن الجو هناك في هذه الأيام جميل جدا فالأمطار تهطل بشكل شبه يومي والزراعة مبشرة بالخير وعندما كنت هناك كانت الزراعة في بعض المدرجات في مرحلة الفقح – الخف – والنسوة كن يقمن بهذه المهمة على أكمل وجه بينما في المدرجات الأخرى وفي الوادي الزراعة وصلت مرحلة النقوة – العزيق – ومنها الزراعة الموجودة في أرضي قلت لماذا لا أستعيد ذكريات عملية النقوة أيام زمان عندما كانت يقوم بها عدد كبير من العمال – الشقات – يؤجرهم صاحب الأرض وقي الشعبة – المدرج –  يرتص الشقاة صفا واحدا إذا كانت مساحة المدرج عريضة – في الحول  الجمع أحوال – أو في عدة صفوف إذا كانت المساحة ضيقة وكأنهم جنودا في استعراض عسكري وكل واحدا منهم ممسكا بحجنته – المفرس – باليد اليمنى وفي اليد اليسرى يقتلع الأعشاب الضارة – الثعر كما يسمى عندنا – ويرميه خلفه وباليد نفسها يقوم أيضا برفع التربة لتسند الزرع ثم يعمل حوض صغير يسمى محواض وفيه تتجمع مياه الأمطار وتستقر لفترة من الوقت وبالتالي يتمكن الزرع من الحصول على كمية كافية من المياه لكن المهم في هذه العملية هو الشخص الذي يشل – ينشد -  أمام الجمع المتأهب للعمل كلمات المهجل أو البليبل كما يقولون ويكون عادة شخص شجي الصوت ويعرف كيف ينشد المهجل بحيث يردد جميع الشقاة بعده تلك الكلمات بأصوات مرتفعة جدا يتردد صداها في الضياح – الصخور الملساء – المجاورة ، مهمة هذا الشخص هي تنشيط العمال المشاركين في النقوة فقط من خلال ترديد المهاجل أي الزوامل فهو يتجول بين الصفوف ويردد كلمات الزامل أما هيئته فتختلف عن هيئة الشقاة الآخرين فملابسه نظيفة ومعمم بمشدة سلاطيني ووسطها مشقر مجرس وعيناه مكحلتان بشكل ملفت للنظر ووجهه يلمع مدهون – مملس – بالسمن البلدي أو الشند - مادة دهنية مستخلصة من شمع النحل – وبوجوده يكون العمل المنجز ضعف ما ينجزه الشقاة بغير وجوده.
  • قلت ما المانع إذا من استعادة هذه الذكريات خاصة وأن عدد من أولادي مع أسرهم كانوا يرافقونني في هذه الرحلة وهم لا يعرفون شيء عن هذه العادات ، كلفت شخص مقيم في القرية أن يبحث لي عن الشخص الذي يجيد القيام بهذا الدور ومن ثم تأجير عشرة إلى خمسة عشر شاقي للقيام بعملية النقوة في أرضي وبعد يومين من البحث والتقصي في معظم مناطق الأحكوم وفي المناطق المجاورة من قدس مثل صبن والزبيرة عاد ليقول لي كان باقي فلان في الزبيرة لكنه لم يعد قادرا على المشي يعني أنه لا يوجد أحدا يقوم بهذه المهمة أما الشقاة فموجودين حتى أنني أعلنت عن جائزة خمسة آلاف ريال لمن يأتيني بهذا الشخص لكن جهودي ذهبت هباء فحمدت الله وقلت على مكونات التراث الشعبي القديم السلام. 
  • بعد هذه المقدمة الطويلة التي ربما يجدها البعض مملة ندخل في صلب موضوع اليوم وهو الأغاني التي كانت تردد من قبل الفئات الاجتماعية المختلفة كل فئة لها كلمات ومواويل خاصة بها تحكي معاناتها أو تعبر عن اهتماماتها المهنية والإنتاجية وتتكون الأغنية عادة من عدد من الأبيات الشعرية الموزونة ولكل نوع منها لحن وموال يختلف بحسب الكلمات وبحسب وقت ترديدها – خير أو خريف ، صباحا أو مساء – ولذلك سنوردها مرتبة بحسب الفئات التي ترددها والموضوعات التي تناقشها وهي على النحو الآتي:
  • أولا: أغاني الشابات
  • وابـي أني من قولـت أصـبر تـنـي                         وكام أني شا صير على إبن عمي
  • يا خي الزغير أنت العديل على بي                        قـله يزوجـني ماو عـاد يشـا بـي
  • كـعوب صـدري خـزقـوا ثـيابـي                            واني بوسط جوفي كامت عذابي
  • هذه الأبيات تعبر عن معاناة الشابات في الريق اللائي تفرض عليهن العادات والتقاليد البقاء بدون زواج انتظارا لقرار الأب بمن ومتى يجب أن تتزوج البنت وليس لها أي رأي في شريك حياتها ، البيت الأول تشكي فيه البنت من طول انتظارها لأبن عمها حتى يكبر لكي يعقد قرانها عليه لأن أباها وعمها كانا قد اتفقا على أن تكون هي الزوجة للابن الذي ستلده زوجة عمها بعد سنوات رغم فارق السن بينهما فهي شابة في عمر الزواج وهو طفل يرضع وعليها انتظاره وكلما تناقشت الموضوع مع أمها تقول لها أصبري تني – أي استني – أما البيتين الأخريين فيحملان شكوى لشابة بلغت سن الزواج بل وتعدته وترغب الارتباط بشخص يكون زوجا لها لكن والدها رفض ويرفض جميع الخطاب وكل واحدا منهم يظهر فيه مائة عيب ربما لأن أباها ينتمي لفئة السادة الذين كانوا يرفضون تزويج بناتهم أو لديه ممتلكات كثيرة ويخاف توريثها لشخص آخر من خلال مصاهرته ولم تجد أمامها إلا أخيها الصغير لتشكو إليه همها وتعدله أي توسطه على والدها – لأن التقاليد لم تكن تسمح لها بمناقشة مثل هذا الموضوع مع والدها ولا حتى مع والدتها – وفي الأبيات تقول البنت أنها قد أصبحت شابة تجاوزت السن المحدد للزواج في الريف وأنها كاتمة عذابها بداخلها.
  • ثانيا: أغاني نساء المهاجرين
  • بالله علــوك تـدخـل لدكـة البـس                              تشاور المحبوب كم عاده شجلس
  • ليـك الـحريـق يا شـركة بـيـبي                               ليـك الـحريـق عـدمـتـني حبـيـبي
  • شـاقي عدن يشقي على كروشو                            قـله يـروح لـعن أبـيه قـروشـو
  • يا بـي أني مـن فـشرة المـعدن                              يومين ثلاث قا هو بحالة الجن
  • ما شاش صدارة لو ترسل ألفين                           أشتي وصولك لو تصل بقرشين
  • ما شا ولا بـرك ولا أقـدر أعجن                           ما نديتليش نيلون يشلوك الجن
  • وصل لي الزنة يحسبني شا فرح                         يوم الخميس روح والسبت شيسرح
  • جمعة وراء جمعة وعيد قفا عيد                         زلجتني وا يا جبيب مواعيد
  • هذه الأبيات كلها تعبر عن معاناة نساء الريف من جراء هجرة أزواجهن إلى مدينة عدن حيث كان الواحد يغيب عن أسرته سنتان أو ثلاث سنوات ثم يعود لزيارتهم لمدة لا تزيد عن شهر كحد أقصى والمرأة هي التي تتحمل مشقات كثيرة في مقدمتها غياب زوجها عنها ومسئوليتها عن تربية الأطفال وقيامها بزراعة الأرض والعناية بالحيوانات فهي التي تقوم بجميع مسئوليات رب الأسرة ولأن بعض المغتربين في عدن كانوا يعملون إما لدى شركة توني. بس. الفرنسي الجنسية وكانت تسمى شركة البس أو لدى شركة مصافي الزيت البريطانية المسماة شركة بي. بي. فقد طلبت إحدى هن من الطبل – المراسل الشهري بين عدن والبلاد – أن يدخل إلى دكة البس وأن يشاور – يسأل زوجها – كم عاده باقي في عدن فقد طالت الغربة وهي غير قادرة على التحمل ، أما الثانية فقد دعت على شركة المصافي بالحريق لأنها كما تعتقد السبب في غياب زوجها عنها وتعبر بعض الأبيات عن سخط النساء على عدن ومن يعملون في عدن فهم هناك كل همهم تعبئة بطونهم والأحسن أن يعودوا إلى قراهم وملعون أبو الفلوس التي يبحثون عنها وتنتقد الأخرى زنط العائدين من عدن فكل ما يوفره المعدني خلال سنوات الغربة يصرفه خلال أيام في شراء هدايا للأهل والأقارب وشراء ملابس لنفسه من النوع غالي الثمن مثلا مشده رشوان وكوت كشمير وفوطة حرير ويصل يستعرض بها ويزنط في البلاد والمبلغ المتبقي يصرفه في شراء قات ولحم كباش وغيرها من الأشياء وبعد أسبوعين بالكثير يبدأ بريقه يتلاشى لأن فلوسه خلصت وقد يلجأ لأن يأخذ فضة زوجته ليرهنها مقابل تكاليف عودته إلى عدن ، بيتين منها تعبران عن ضيق النساء بغربة أزواجهن لجمع الفلوس فهن لا يردن فلوس حتى إذا كان المبلغ الذي يرسله المغترب ألفين ريال ويردن عودة أزواجهن ولو ما مع الواحد منهم إلا ريالين فقط في محفظة الكمر تكفي ، بيت آخر يعبر عن تذمرهن من قصر الفترة التي يقضيها العائدون من الغربة مع أسرهم فقد أحضر لزوجته زنه لكي يفرحها لكن ما الفائدة من الزنة إذا كان هو وصل يوم الخميس وسوف يغادر المنزل صباح السبت.
  • ثالثا: أغاني الرعية
  • لا ترقـدي عيـنـي ولا تـنامـي                             لما يدجي جنب حولي إتلامي
  • لا ترقدي عيني ولا يجيك نوم                           لما يدجي جنب حولي متلوم
  • والجابرين ولا يهموا الأغلاس                         ولا يهموا إلا مداولة الناس
  • هذي الضميده تستجر أرياقه                           حالف من الماء والطريح ما ذاقه
  • هذه الأبيات تعبر عن اهتمام الناس بالزراعة فالمزارع هنا يقسم أن عينيه لن تذوقا طعم النوم إذا جاء المساء والأرض المجاورة لأرضه قد بذرها أصحابها ، أما البيت الثاني فيتحدث عن الجابرين اللذان هما ضمد الأثوار بأنهما لا ينزعجان حتى لو أستمر عملهما إلى ما بعد حلول الظلام فالذي يزعجهما هو تداول الأشخاص أي تبادل البتال على العمل معهما ولذلك كان الرعية ينتقون البتول نقوة ويحاولون عدم استبداله بشخص آخر إلا للضرورة القصوى ، أما آخر بيت فهي تمتدح ضمد الأثوار لأنها أي الضمد بالرغم من عملها الشاق إلا إنها لم تشرب الماء ولم تأكل العلف – الطريح هو العلف – طوال اليوم وهذا يعني أنها تستجر ريقها فقط وليس في جوف الواحد منها لا ماء ولا علف. وللحديث بقية فهناك الكثير من كلمات الأغاني سنحاول استعراضها في حلقة أخرى.  
  •                                                                                                                        hakimi@y.net.ye                                             

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ﺃﻫﺪﺍﻑ ﺛﻮﺭﺓ 26 ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ اليمنية عام 1962ﻡ